قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الخليفة اقسم أنه لا يقتل إلا العبد
لأن الشاب معذور، ثم أن الخليفة التفت إلى جعفر وقال له أحضر لي هذا
العبد الخبيث الذي كان سببا في هذه القضية وإن لم تحضره فأنت تقتل عوضا
عنه، فنزل يبكي ويقول: من أين أحضره ولا كل مرة تسلم الجرة وليس لي في
هذا الأمر حيلة والذي سلمني في الأول يسلمني في الثاني، والله ما بقيت
أخرج من بيتي ثلاثة أيام والحق سبحانه يفعل ما يشاء. ثم أقام في بيته
ثلاثة أيام وفي اليوم الرابع أحضر القاضي وأوصى وودع أولاده وبكى وإذا
برسول الخليفة أتى إليه وقال له أن أمير المؤمنين في أشد ما يكون من
الغضب وأرسلني إليك وحلف أنه لا يمر هذا النهار إلا وأنت مقتول إن لم
تحضر العبد. فلما سمع جعفر هذا الكلام بكى هو وأولاده فلما فرغ من
التوديع تقدم إلى بنته الصغيرة ليودعها وكان يحبها أكثر من أولاده
جميعا فضمها إلى صدره وبكى على فراقها فوجد في جيبها شيء مكببا فقال
لها ما الذي في جيبك فقالت له يا أبت تفاحة جاء بها عبدنا ريحان ولها
معي أربعة أيام وما أعطاها لي حتى أخذ مني دينارين. فلما سمع جعفر بذكر
العبد والتفاحة فرح وقال يا قريب الفرج، ثم إنه أمر بإحضار العبد فحضر
فقال له من أين هذه التفاحة فقال يا سيدي من مدة خمسة أيام كنت ماشيا
فدخلت في بعض أزقة المدينة فنظرت صغار يلعبون ومع واحد منهم هذه
التفاحة فخطفتها منه وضربته فبكى وقال هذه لأمي وهي مريضة واشتهت على
أبي تفاحا فسافر إلى البصرة وجاء لها بثلاث تفاحات بثلاث دنانير فأخذت
هذه ألعب بها ثم بكى فلم ألتفت إليه وأخذتها وجئت بها إلى هنا فأخذتها
سيدتي الصغيرة بدينارين، فلما سمع جعفر هذه القصة تعجب لكون الفتنة
وقتل الصبية من عبده وأمر بسجن العبد وفرح بخلاص نفسه ثم أنشد هذين
البيتين:
ومن كانت دريته بعـبـد |
| فما للنفس تجعله فداهـا |
فإنك واجد خدما كـثـيرا |
| ونفسك لم تجد نفسا سواها |
ثم أنه قبض على العبد وطلع به إلى الخليفة فأمر أن تؤرخ هذه الحكاية
وتجعل سيرا بين الناس فقال له جعفر لاتعجب يا أمير المؤمنين من هذه
القصة فما هي بأعجب من حديث نور الدين مع شمس الدين أخيه فقال الخليفة
وأي حكاية أعجب من هذه الحكاية فقال جعفر: يا أمير المؤمنين لا أحدثك
إلا بشرط أن تعتق عبدي من القتل. فقال قد وهبت لك دمه